كتب ناثان ج. براون أن موجة الاعترافات الغربية بدولة فلسطين أعادت إلى السطح نقاشًا واسعًا حول مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، لكنها طرحت سؤالًا أعمق عن مدى الحاجة إلى إحياء السياسة الفلسطينية نفسها، بعدما أصابها الجمود والتآكل. وأشار إلى أن المطالب التي تتجدد بشأن الإصلاح السياسي ليست جديدة، فقد رافقت تأسيس السلطة الفلسطينية منذ التسعينيات، حين دعا مثقفون وناشطون إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، بينما ركزت القيادة على هدف الدولة وأهملت بناء القواعد الداخلية للحكم.
ذكرت مؤسسة كارنيجي أن الضغوط الدولية ساعدت في بروز تحالف للإصلاح مطلع الألفية، خاصة بعد الانتفاضة الثانية، حيث دفعت الولايات المتحدة وإسرائيل في اتجاه تقليص صلاحيات ياسر عرفات وربط الإصلاح بمسار التسوية. وظهرت خطوات مثل إصدار القوانين الأساسية وتوسيع صلاحيات المجلس التشريعي وتعزيز الرقابة المالية. ووصل هذا المسار ذروته في انتخابات 2006 التي رفعت فيها حركة حماس شعار الإصلاح والتغيير وفازت بأغلبية غير متوقعة، لكن النتيجة فجرت التحالف الداخلي والخارجي معًا، فانقسم النظام السياسي وتوقفت عملية الإصلاح عند حدها.
أوضح براون أن مرحلة ما بعد 2007 شهدت انقسامًا بين غزة والضفة وحكمًا بالمرسوم وتراجعًا لمشروع الدولة، في ظل دعم غربي لخطوات سلطوية تستبعد حماس. حتى تجربة سلام فياض بين 2007 و2013 التي ركزت على بناء مؤسسات مالية وإدارية أكثر كفاءة لم تنجح في تغيير الواقع السياسي، إذ ظل فياض بلا قاعدة شعبية وبلا مسار دبلوماسي يدعمه، وانتهت محاولاته مع رحيله، تاركًا النظام بلا مشروع إصلاحي.
برزت بعد ذلك مقاربة انتقائية للإصلاح، إذ استُخدم المصطلح لتبرير سياسات تتعلق بالتنسيق الأمني أو المناهج الدراسية، بينما جرى تجاهل قضايا أساسية مثل استقلال القضاء أو الانتخابات العامة. وبهذا تحول الإصلاح إلى شعار فارغ يفتقد المصداقية ويعمق أزمة الشرعية. وأصبح الشارع الفلسطيني، خصوصًا الشباب، يرى النظام السياسي عاجزًا عن تمثيله، ما ولّد حالة من السخرية واليأس انعكست في وصف الواقع بأنه فلسطين بلا فلسطين، حيث توجد مؤسسات هشة وحركة وطنية مشلولة لكن شعب ما زال حاضرًا كجماعة وطنية.
أشارت مؤسسة كارنيجي إلى أن عام 2025 شهد مبادرات متفرقة لإعادة النقاش. جاء إعلان نيويورك الذي رعته السعودية وفرنسا بمشاركة الأمم المتحدة كوثيقة تقنية ودبلوماسية لكنه تجنب القضايا الحساسة مثل استقلال القضاء. ظهر كذلك المؤتمر الوطني لفلسطين كجسم معارض يطمح لإعادة بناء الحركة الوطنية، غير أنه يفتقر إلى الاعتراف الرسمي ويتعرض لاتهامات بالارتباط بدول إقليمية. وصدر تقرير من منتدى السياسات الإسرائيلي بعنوان "لا وقت للهدر" أعاد إنتاج أفكار قديمة حول إصلاح السلطة، لكنه افتقد الزخم داخل الساحة الفلسطينية ولم يلق صدى يذكر لدى إسرائيل.
أكد براون أن الدروس المتراكمة خلال ربع قرن توضح أن أي محاولة للإصلاح تحتاج قاعدة محلية واسعة، ودعمًا خارجيًا متماسكًا، ومسارًا دبلوماسيًا فعالًا، إضافة إلى قبول أو على الأقل حياد من القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية. غياب هذه العناصر يجعل فكرة الإصلاح مجرد شعار متكرر لا يغير الواقع.
خلص التقرير إلى أن كلمة إصلاح استُهلكت حتى فقدت معناها، وأن التحدي الحقيقي يتمثل في إحياء السياسة الفلسطينية عبر إعادة ربط القيادة بالشارع وبناء حركة وطنية قادرة على تمثيل الفلسطينيين بواقعية، إلى جانب توفير دعم دولي يفتح أفقًا سياسيًا. ورأى أن المهمة قد تستغرق جيلًا كاملًا، لكنها السبيل الوحيد للخروج من دائرة الجمود والتدهور وإعادة الحياة إلى السياسة الفلسطينية.
https://carnegieendowment.org/research/2025/09/palestinian-politics-reform-elections-international-support?lang=en